لعب المسرح العسكري دوراً مهماً في تعميق الوعي الاجتماعي وترسيخ الثقافة العربية والحضارية المميزة لأمتنا العربية على مر العصور, فاللحياة المسرحية في سورية تاريخ عريق تمتد جذوره من الفترة الرومانية وصولاً إلى الانطلاقة الحديثة المتجددة للمسرح السوري في القرن التاسع عشر على يد مؤسس المسرح السوري الحديث الشيخ الدمشقي أبو خليل القباني, ومع بدايات القرن العشرين انتشرت المسارح وازدهرت الحركة المسرحية في دمشق, إذ شكلت العروض المسرحية المتنوعة بوابة تعبر عن الفكر السوري المتنوع الأطياف والتيارات الفكرية والسياسية والاجتماعية, وعن ما يختلج في الحياة السورية من دوافع تبعث على التطور والتحرر والبناء نحو مستقبل أكثر إشراقاً وأملاً, وإيماناً بأهمية المسرح الثقافية والحضارية وما يقوم به في تعزيز الانتماء الوطني والقومي تم إحداث المسرح العسكري في سورية عام1958م إبان الوحدة السورية المصرية ليكون بذلك أول مؤسسة عامة تُعنى بالشأن المسرحي في سورية سابقاً بذلك المسرح القومي السوري بما يقارب الخمس سنوات, لقد تأسس المسرح العسكري في سورية كمثيل للمسرح العسكري في الإقليم الجنوبي لدولة الوحدة إذ كان المدير العام للمسرحين العسكريين السوري والمصري أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة في مصر وهو أحمد حمدوش.
تم افتتاح المسرح العسكري بعرض مسرحي حمل اسم ( العطر الأخضر) بطولة ( محمود جبر, منى واصف) وإخراج محمد شاهين, وكان يضم المسرح العسكري عدداً من الممثلين الذين لعبوا دوراً كبيراً في انطلاقة المسرح العسكري ( سعد الدين بقدونس, بدر المهندس, نجاح حفيظ ,يوسف شويري, منذر الفاضل, محمد أديب الجباوي, نجوى صدقي), ثم وفد إلى المسرح كل من : ( محمود جبر, ياسين بقوش, أحمد الطرابيشي, سامية الجزائرية), وفي هذه الفترة قدم الفنان سعد الدين بقدونس مسرحية بعنوان ( سيف المنافقين ) وهي من إعداده, ومسرحية ( الأيدي الناعمة) لتوفيق الحكيم عام 1961م, كذلك جرت آنذاك مسابقة لاستقدام شخصيات فنية جديدة مثل ( كليبر سعيد, محمد كريم, منى واصف, هيفاء واصف, فريال كريم) وقدم سعد الدين بقدونس مسرحية بعنوان ( كيد النساء), ومسرحية بعنوان ( مريض الوهم) للمؤلف الفرنسي موليير, ومسرحية للمرحوم نجاح المرادي أخرجها سعد الدين بقدونس خلال عشرة أيام، وقدنالت هذه المسرحية الجائزة الأولى في عيد العلم والأدب.
وبعد الانفصال المرير تتالت العروض المسرحية الناجحة منها : ( أفول قمر, مخلب القطة, سوء تفاهم ) عام 1962م, ومسرحية ( الثوريون) عام1963م, ومسرحية ( أبو المقالب ) عام 1964م, وغيرها من الأعمال المسرحية التي كانت تعرض على مسرح صالة 8 آذار والتي استحوذت على إعجاب الجمهور والنقاد معاً نظراً لتألقها ومقاربتها للواقع السوري.
لقد عرف عن المسرح العسكري اهتمامه بعروض مسرحية تذكر على الكوميديا والنقد الاجتماعي وهي في غالبيتها مسرحيات محلية على عكس المسرح القومي الذي ركز على عروض مسرحية من روائع الأدب العالمي, وذلك يعود إلى وظيفة المسرح العسكري باعتباره يخاطب جمهوراً واسعاً من العسكريين والمدنيين, ولنوعية الرسالة الفنية الخاصة التي تعمل على إيصالها ونشرها والمتمثلة بتعزيز الانتماء الوطني والقومي الهادف والمسؤول الملتزم بالقضايا العربية العادلة وحب الوطن والانتماء إلى الأرض, وكل مامن شأنه رفد مسيرة النضال العربية لاسترداد الحقوق والكرامة العربية, لذلك جاءت العروض المسرحية للمسرح العسكري وخاصة بعد قيام ثورة الثامن من آذارالمجيدة عام 1963م مميزة بالشكل الفني الجميل والمضمون الفني المسؤول, يدعمها في ذلك الخبرات الفنية المتجددة التي ترفد المسرح العسكري وتشكل أركانه, فالمتتبع للأسماء التي عملت في المسرح العسكري إخراجاً وتمثيلاً وكتابة يصل إلى أسماء كبيرة لها مكانتها وثقلها الفني في الحياة الفنية السورية نذكر منها: ( محمود جبر, ناجي جبر, أحمد عداس, منى واصف, مانويل جيجي, سعيد جوخدار, عبد الهادي صباغ , أيمن زيدان) وغيرهم الكثير من النجوم الذين عملوا في المسرح العسكري, أو أدوا خدمتهم العسكرية الإلزامية فيه بعد تخرجهم من المعهد العالي للفنون المسرحية, حيث استطاع المسرح العسكري توظيف خبراتهم الأكاديمية المتميزة في كل الاختصاصات لخدمة المسرح العسكري, بالإضافة إلى مخرجين متميزين مثل ( سعيد جوخدار, توفيق المؤذن, مانويل كاشيشان, علي اسماعيل), فقد وقد استفاد المسرح العسكري دوماً من الإبداعات المتجددة لمخرجين يرفدونه بالعطاء المتنوع, ويقدمون أعمالاً متميزة أثناء خدمتهم الإلزامية, ولم يبخل المسرح العسكري عن التعاقد مع فنانين نجوم من خارج كوادره إن لزم الأمر لضمان أفضل المقومات لنجاح العرض المسرحي.
إن تأثير المسرح العسكري لم يقتصر على الجانب العسكري وما تتطلبه الحياة العسكرية, وإنما تعداه إلى الجانب التنموي والاجتماعي والثقافي في الجمهورية العربية السورية, وهذا ما أكده جميع المهتمين بهذا الشأن, فقد حملت نشاطات المسرح العسكري وعروضه المسرحية قيمة فنية حياتية شمولية تفيد المواطن العادي والجندي على السواء, فحقق المسرح العسكري بذلك أهدافه المأمولة في التوعية والتنمية الاجتماعية إضافة إلى ترفيه الجندي ودفعه للقيام بواجبه وهو أكثر إيماناً وتصميماً والتزاماً بمبادئ وطنه وأهداف أمته, واستطاع المسرح العسكري أن يشكل الجسر الحقيقي الذي يربط الجندي بمؤسسته العسكرية وباقي أفراد المجتمع، وكان على الدوام مركزاً ثقافياً وحضارياً هاماً في الحياة السورية يسير جنباً إلى جنب مع المسرح القومي كرائدين الحياة المسرحية الفنية السورية.
لقد انقسمت نشاطات المسرح العسكري بسبب طبيعة عمله في القوات المسلحة وخصوصيته إلى نوعين:
الأول: مسرح جوال يدور على القطعات والتشكيلات العسكرية تحمله قاطرة متجولة تحمل كل مستلزمات العرض المسرحي,ويقدم برامج مسرحية متنوعة تضم ( إلقاء قصائد شعرية، حفلات غنائية، رقص شعبي وتراثي, برامج فكاهية، عروض مسرحية حوارية) تدور في معظمها حول الحياة العسكرية اليومية للجندي واحتياجاته الإنسانية وهمومه ومشاعره, وتسلط الضوء على المعارك العسكرية الخالدة وانتصارات الأجداد, وتحثه على المزيد من العمل بأسلوب فني جميل يحمل التوعية والترفيه معاً، وللمسرح الجوال جولات دورية على كافة محافظات القطر وكافة الوحدات والتشكيلات العسكرية المنتشرة في ربوع الوطن، وفي هذا المجال نذكر الجولات الميدانية التي قام بها المسرح العسكري على الجبهة السورية بعد نكسة حزيران عام 1967م في مرتفعات الجولان والحمة لرفع معنويات جنودنا البواسل.
أما النوع الثاني من المسرح العسكري فهو المسرح الثابت والذي ينفذ معظم نشاطاته في مسرح صالة 8 آذار المزودة بأفضل التقنيات المسرحية الحديثة، والتي قدمت على خشبتها العروض المسرحية المميزة والرائعة للكثير من الفنانين السوريين.
مهام المسرح العسكري
1- إعداد وتنفيذ البرامج التوجيهية والترفيهية عن طريق المسرح وتقديم المشورة الفنية التي تطلب منه.
2- تنفيذ مختلف الأعمال المسرحية اللازمة لتحضير وإخراج المسرحيات العسكرية أو القومية أو الثقافية أو الترفيهية أو الاجتماعية الخاصة بالقوات المسلحة, وطلب تأمين المعدات والمواد اللازمة لهذه الأعمال وادخارها وصيانتها.
3- الإشراف على المسارح العسكرية وتزويدها بالمواد اللازمة لها, وتنظيم عرض المسرحيات ووضع أسسها.
4- تقديم المشورة للجهات المختصة فيما يتعلق بالمسرحيات المدنية التي تتناول النواحي العسكرية ومراقبتها.
5- رعاية وتشجيع الفرق الفنية العسكرية.
واليومُ يعد المسرح العسكري قسماً مهماً من أقسام فرع الثقافة والتوجيه في الإدارة السياسية,. ويحظى باهتمام وعناية كبيرين كي يكون على المستوى المطلوب منه فنياً وعسكرياً, وبما يخدم وظيفته في القوات المسلحة ويؤمن سير عمله,وبسبب الظروف الراهنة التي يمر بها وطننا الحبيب, وما يتعرض له من مؤامرة كبرى يقتصر دور المسرح العسكري حالياً على تقديم بعض الندوات السياسية والنشاطات الفكرية, وبعض الحفلات في المناسبات الوطنية والقومية, وعروض مسرحية قليلة تخص أبناء الشهداء وبعض المبادرات لفعاليات وطنية تتعلق بالأزمة الراهنة.
لا شك أن للمسرح العسكري في سورية تاريخاً حافلاً بالإنجازات والمحطات الفنية المضيئة في مسيرة الحياة الفنية والثقافية السورية, كما كان له حضور متميز عند الجمهور السوري تشهد على ذلك أعماله المسرحية المميزة وماخرّجه من كوادر فنية عملت على خشبته المسرحية وقدمت له الكثير من الأعمال, وكان المسرح العسكري على الدوام في خدمة قضايا الوطن العادلة وفي خدمة الإنسان السوري المدني والعسكري على السواء.